إنَّ كتاب “مختصر منهاج القاصدين” لأحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي لم يُكتب له من الانتشار والقبول في الأوساط العلمية والتربوية عقب تأليفه وبعده بعصور ما هو جدير به، إلا أنه قد تحول في عصر الطباعة إلى الكتاب الوحيد في بابه، والسفر الفريد في رحابه فاعترف بفضله العلماء المحققون، وعوَّل عليه المربون المتحققون، فقلَّ مكتبة من مكاتب العلماء والمربين لم تحتوِ عليه، وندر قلب من قلوب قاصدي طريق الله لم يَصْبُ إليه. والكتاب بما احتوى عليه من نقاية الكتب التربوية المعتمدة للأمة، وبما تعاور عليه من جهود هؤلاء الأئمة الكبار النوابغ: “الغزالي” أولًا، ثم “ابن الجوزي” ثانيًا، ثم “أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي” ثالثًا، وتناوبه من أعمال أولئك المربين العظام، جدير بهذا التقدير والعناية، وحقيق بهذا الاهتمام وزيادة. لكن الأمة الإسلامة -بما ابتُليت به من الأمراض الفتاكة التي أبعدتها عن ربها، وأقصتها عن دينها ومنهج نبيها، وشغلتها بدنياها وشهواتها- لم تعد ترغب في قراءة الكتب التي فيها شيء من التطويل، ولا سيما إذا كانت محتوية على الدقائق الدقيقة لأمراض النفس وطرق علاجها وتربيتها التي هي بمراحل عن الرغبة في معرفتها. وأصبحت بأمس حاجة إلى الكتب المختصرة التي تشتمل على نقابة النقاية ولب اللباب التي تسعفها في إنقاذها من الأخطار العظيمة المحدقة بها التي كادت تأتي عليها وتستأصل شأفتها، تلك الكتب التي يخف وقعها على الجيب وعلى اليد وعلى العقل والقلب، ومع ذلك يقوي تغلغلها في أعماق العقل وسويداء القلب. فمن أجل ذلك رأى “محمد بن صالح بن أحمد الغرسي” أن يختصر كتاب “مختصر منهاج القاصدين”، ويقتصر منه على النقاية واللب، وقد وفقه الله تعالى إلى اختصاره في نحو ربع حجمه في قريب من أربعة أيام. وقد جاء بفضل الله وكرمه على ما يُبتغى ويُرام، ثم أضاف إليه إضافات ترفع من قدره، صدَّر غير الأحاديث منها بقوله “أقول”، وخرَّج أحاديثه البنوية، وحذف منها الضعيف أو بدلها بالصحيحة، ولم يُبقِ من الأحاديث الضعيفة إلا قلة قليلة لعلها لا تتجاوز عدد الأصابع التي نبه على ضعف معظمها.