كتاب “المحدث الفاصل بين الراوي والواعي” للقاضي الرامهرمزي هو أقدم كتاب صُنِّف في علوم الحديث على الأرجح. ويشير عنوان الكتاب إلى الفرق بين الراوي المجرد ومن يجمع إلى الرواية الوعي والدراية، ويؤكد الرامهرمزي هذا الفرق عندما يبين أن الراوي المجرد قد يسيء إلى أهل الحديث، قال القاضي: “وليس للراوي المجرد أن يتعرض لما لا يكمل له، فإن تركه ما لا يعنيه أولى به وأعذر له، وكذلك سبيل كل ذي علم، وكان حرب ابن إسماعيل السيرجاني، قد أكثر من السماع وأغفل الاستبصار، فعمل رسالة سماها “السنة والجماعة” تعجرف فيها، واعترض عليها بعض الكتبة من أبناء خراسان ممن يتعاطى الكلام، ويُذكر بالرياسة فيه والتقدم، فصنف في ثلب رواة الحديث كتابًا..”. وقد افتتح الرامهرمزي كتابه بما يمكن أن يُعد سببًا لتأليف الكتاب، وهو قوله: “اعترضت طائفة ممن يشنأ الحديث ويبغض أهله، فقالوا بتنقُّص أصحاب الحديث والإزراء بهم، وأسرفوا في ذمهم والتقوُّل عليهم، وقد شرَّف الله الحديث وفضل أهله..”. فالذي دفع القاضي إلى تصنيف هذا الكتاب هو طعن أهل البدع والكلام في أصحاب الحديث، فأراد أن يدافع عنهم، ويذكر فضائلهم، وينوِّه بعظيم علمهم وضبطهم وإتقانهم، ويبين أن عندهم من الفقه والدراية ما ليس عند غيرهم من الطاعنين عليهم. ثم توجه إلى المحدثين ناصحًا لهم بأن يتفقهوا في الحديث ويتأدبوا بآدابه، وأن يتجنبوا ما يُعابون به، فقال: “فتمسكوا -جبركم الله- بحديث نبيكم صلى الله عليه وسلم، وتبينوا معانيه، وتفقهوا به، وتأدبوا بآدابه، ودعوا ما به تُعيَّرون من تتبُّع الطرق وتكثير الأسانيد، وتطلُّب شواذ الأحاديث، وما دلسه المجانين، وتبلبل فيه المغفلون، واجتهدوا في أن توفوه حقه من التهذيب والضبط والتقويم، لتشرفوا به في المشاهد، وتنطلق ألسنتكم في المجالس..”. من أجل ذلك فقد ضمَّن كتابه مباحث في آداب طالب الحديث، وفضل من جمع بين الرواية والدراية، وكيفية كتابة الحديث وروايته، وغير ذلك.
اضغط على إحدى أسماء أدوار النشر التالية لعرض روابط القراءة والتحميل الخاصة بها: