تناول “ابن العربي الأندلسي المالكي” في كتابه “الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم” آيات القرآن الكريم التي ادُّعي فيها النسخ، محللًا سياقاتها، ومحررًا أوجه الخلاف فيها بين المفسرين والفقهاء، معتمدًا على أدوات الأصول والاستنباط والنظر المقارن. ابتدأ “ابن العربي” بمقدمة علمية تمهيدية عن النسخ، وضوابطه، ومجاله وحدوده، متبعًا ذلك بعرض مرتّب لسور القرآن، ذِكرًا لكل آية قيل فيها نسخ أو تخصيص، مع تعقيب دقيق يوازن بين ظاهر النصوص ومقاصد الأحكام. وقد تميز أسلوبه بالنقد المحكم والتفريق بين النسخ الحقيقي والتخصيص أو التدرّج في التشريع، مع ردّه على من توسّع في دعوى النسخ دون بيّنة. جاء ترتيب الكتاب بحسب السور، يذكر الآية ووجه النسخ المدّعى، ثم ينقل أقوال العلماء، ويرجّح أو يرفض بناءً على قواعد دقيقة. وقد خالف كثيرًا من المتأخرين في توسيعهم لحالات النسخ، فأنكر النسخ في مواضع اشتهر فيها القول به، وبيّن أن كثيرًا من تلك الآيات إنما خصصت أو قُيّدت لا أنها نُسخت. وبهذا قدّم “ابن العربي” نموذجًا ناضجًا لنقد التراث التفسيري في باب النسخ، جامعًا بين المعرفة بالأثر، والبصر بمقاصد التشريع، والدراية بأصول الفهم القرآني.