مصطفى بن أحمد بن محمد الزرقاء: مكان الميلاد وتاريخه: ولد مصطفى الزرقاء في مدينة حلب الشهباء بسورية سنة 1322هـ/1904م. والده: هو الشيخ أحمد بن محمد الزرقاء من أعلام علماء مدينة حلب، وفي أعلى مراتب العلم، وأهم مصادره، وكان مشهوراً بالفقه الحنفي بوجه خاص، درّس في الثانوية الشرعية المعروفة من قبل باسم (المدرسة الخسروية الشرعية)، وبالمدارس الشرعية الأخرى كالشعبانية والعثمانية والجامع الأموي الكبير. نبوغ مبكر: يقول الدكتور محب الدين أبو صالح: سمعت من أبي الشيخ ناجي أبو صالح -يرحمه الله- وهو من جيل الشيخ مصطفى ورفيقه في طلب العلم أن مصطفى حين يجلس في الدرس على أبيه الشيخ أحمد كان يأخذ ... عرض المزيد
مصطفى بن أحمد بن محمد الزرقاء:
مكان الميلاد وتاريخه: ولد مصطفى الزرقاء في مدينة حلب الشهباء بسورية سنة 1322هـ/1904م.
والده: هو الشيخ أحمد بن محمد الزرقاء من أعلام علماء مدينة حلب، وفي أعلى مراتب العلم، وأهم مصادره، وكان مشهوراً بالفقه الحنفي بوجه خاص، درّس في الثانوية الشرعية المعروفة من قبل باسم (المدرسة الخسروية الشرعية)، وبالمدارس الشرعية الأخرى كالشعبانية والعثمانية والجامع الأموي الكبير.
نبوغ مبكر: يقول الدكتور محب الدين أبو صالح: سمعت من أبي الشيخ ناجي أبو صالح -يرحمه الله- وهو من جيل الشيخ مصطفى ورفيقه في طلب العلم أن مصطفى حين يجلس في الدرس على أبيه الشيخ أحمد كان يأخذ في مناقشته، فيقول له أبوه: يا مصطفى لا تكثر من هذه المناقشات، لَـمّـا يأت وقتك بعد. وكأن هذه إشارة من الوالد بذكاء ابنه، وقوة حجته، وأنه سيكون بفضل الله خلَفَه من بعده في جميع دروسه. وفعلاً عندما صار يتخلف عن الدروس لمرضه كان ولده مصطفى يقوم مقامه، ويحل محله، وكان المؤهل الأكبر بين جميع تلامذته الذين تتلمذوا عليه. وهذا يدل على مكانة الشيخ مصطفى المبكرة في قدرته العلمية.
طابه العلم: درس الزرقا علومه الدينية على شيوخ بلده في المدرسة الخسروية الشرعية، كما درس العلوم العصرية واللغة الفرنسية دراسة خاصة، ونال الشهادتين الشرعية والثانوية الرسمية الحكومية، مما أهله للالتحاق بكليتي الحقوق والآداب طالباً سنة 1930م، ونال شهادتيهما بتفوق بعد ثلاث سنوات، واشتغل بالمحاماة عشر سنوات، وخلالها حاز دبلوم الشرعية الإســلامية من كليـة الحقوق بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة حالياً).
الزرقا أستاذ في الجامعة السورية: عين مصطفى الزرقاء في أول عام 1944م أستاذاً لمادة الشريعة والقانون المدني في كلية الحقوق، ومحاضراً في كليتي الشريعة والآداب لمادة الحديث النبوي، وظل في هذا المنصب إلى سنة 1966م، حيث أحيل على التقاعد. وألف كتابه المشهور (المدخل الفقهي العام) أو ما يدعوه صاحبه باسم: الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد.
انتخب عن مدينة حلب نائباً في المجلس النيابي السوري لدورتين تشريعيتين، عام 1954م، ثم 1961م، كما أسندت إليه وزارتا العدل والأوقاف في عهود دستورية (في عامي 1956م، ثم 1961م).
الزرقا في المؤتمرات الدولية: كان الأستاذ الزرقا يتقن اللغة الفرنسية تحدثاً وكتابة، ويجيد اللغة الإنكليزية، ويعرف شيئاً من اللغة الألمانية. وهذه المعرفة للغات الغربية، إضافة إلى تفوقه العلمي قادته إلى حضور كثير من المؤتمرات العالمية، وقد كانت له بصمات واضحة في نتائج تلك المؤتمرات، نذكر منها ما يلي:
1-ـ في عام 1937م عقد في لاهاي عاصمة هولاندا (مؤتمر الحقوق المقارنة)، وكان من نتائجه أن اتخذ المبادئ الثلاثة التالية:
أ ـ اعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً من مصادر التشريع العام.
ب ـ اعتبارها حية، قابلة للتطور.
ج ـ اعتبارها تشريعاً قائماً بذاته، ليس مأخوذاً عن غيره.
2-في 1948م انعقد في باريس (مؤتمر المحامين الدولي)، وانتهى المؤتمر إلى إصدار التوصية التالية: (اعترافاً بما في التشريع الإسلامي من مرونة، وما له من شأن، يجب على جمعية المحامين الدولية أن تقوم بتبني الدراسة المقارنة لهذا التشريع، وبالتشجيع عليها).
3-ـفي عام 1951م عقدت شعبة الحقوق الشرقية من (المجمع الدولي للحقوق المقارنة) في كلية الحقوق من جامعة باريس للبحث في الفقه الإسلامي تحت اسم (أسبوع الفقه الإسلامي) برئاسة المسيو مِيّو MILLIOT أستاذ التشريع الإسلامي بجامعة باريس، دعت إليه عدداً كبيراً من أساتذة كليات الحقوق العربية وغير العربية، وكليات الأزهر، ومن المحامين الفرنسيين والعرب وغيرهما، ومن المستشرقين.
وكانت المحاضرات والمناقشات كلها باللغة الفرنسية. وعند انتهاء المؤتمر صرح نقيب المحامين في باريس فقال بالحرف الواحد: أنا لا أعرف كيف أوفق بين ما كان يحكى لنا عن جمود الفقه الإسلامي وعدم صلوحه أساساً تشريعياً يفي بحاجات المجتمع العصري المتطور، وبين ما سمعناه في المحاضرات والمناقشات مما يثبت خلاف ذلك تماماً ببراهين النصوص والمبادئ، وانتهى هذا المؤتمر بالتوصية التالية:
إن المؤتمرين بناء على الفائدة المتحققة من المباحث التي عرضت أثناء (أسبوع الفقه الإسلامي) وما جرى حولها من المناقشات التي ظهر منها بوضوح تقرر:
أ-أن مبادئ الفقه الإسلامي لها قيمة (حقوقية تشريعية) لا يمارى فيها.
ب-وأن اختلاف المذاهب الفقهية في هذه المجموعة الحقوقية العظمى ينطوي على ثروة من المفاهيم والمعلومات، ومن الأصول الحقوقية، هي مثار الإعجاب، وبها يستطيع الفقه الإسلامي أن يستجيب لجميع مطالب الحياة الحديثة، والتوفيق بين حاجاتها.
الزرقا بين فقهاء المسلمين وعلمائهم: في الستينيات من هذا القرن أقيم في دمشق (أسبوع الفقه الإسلامي) وقد حضره فقهاء كثيرون من مختلف بقاع العالم الإسلامي، وكان منهم الأستاذ الزرقاء، والشيخ محمد أبو زهرة، والدكتور مصطفى السباعي، يرحم الله الجميع. وكان فارسا المؤتمر في هذا الأسبوع الفقهي الزرقاء وأبو زهرة، وفي إحدى المسائل الفقهية المعاصرة، وقد تكون مسألة التأمين، اختلف العملاقان اختلافاً كبيراً، وانتصـر كل منهما لرأيه، وراح يأتـي بالأدلة والبراهين، ولم ينته الرجلان إلى اتفاق.
وسئل الدكتور السباعي في جلسة خاصة عن سبب اختلاف العالمين، ورأيه فيما قالا، فقال: الأستاذ أبو زهرة مكتبة فقهية، والزرقاء ملكة فقهية. وكأنه -رحمه الله- يعني أن الفرق كبير بين المكتبة والملكة، ففي المكتبة عشرات أو آلاف المراجع المحفوظة والروايات المسجلة، بينما الملكة هي أول أدوات المجتهد.
الزرقا والبنوك الإسلامية: كان الأستاذ الزرقا من أكبر الدعاة إلى توجيه البنوك الإسلامية، ووضع أنظمتها في ضوء الشريعة الإسلامية، وكان ساعده الأيمن في ذلك ولده الدكتور محمد أنس الزرقا (حفظه الله) المتخصص في الاقتصاد الإسلامي، وهو اليوم أستاذ في كلية الاقتصاد الإسلامي في جامعة الملك عبد العزيز بجدة.
لقد أنشأ الشيخ سليمان الراجحي في مؤسسته المالية الكبيرة مكتباً خاصاً سماه (مكتب البحوث والدراسات)، وجعل على رأسه مصطفى الزرقاء، وعينه مستشاراً دينياً لجميع المعاملات التي تجريها مؤسسته، فكان نعم المستشار المؤتمن. ويذكرون أنه كان يسجل جواباً لإحدى الاستشارات المالية، وحين انتهى من كتابة الجواب سقط القلم من يده، وخر الزرقاء ميتاً، يرحمه الله.
الزرقا يحصل على جائزة الملك فيصل العالمية: منح جائزة الملك فيصل العالمية للدراسات الإسلامية عام 1404هـ تقديراً لإسهاماته المميزة في مجال الدراسات الفقهية، ولكتابه (المدخل إلى نظرية الالتزام في الفقه الإسلامي) وهو الجزء الثالث من سلسلة الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد.
الزرقا في حفلات تكريمه في المملكة العربية السعودية: لقد أحب الشيخ مصطفى الزرقاء السعودية والسعوديين، فبادلوه حباً بحب، وراحوا يكرمونه في ندواتهم، واحتفالاتهم، فما إن ترى ندوة رفيعة المستوى، عالية المقام إلا والزرقاء مدعو إليها، متصدر في مجالسها.
مثل: ندوة العالم والأديب والشاعر الدكتور راشد المبارك الأحدية الأسبوعية في الرياض.
وندوة الشيخ عبد المقصود خوجة في جدة التي يكون للشيخ الزرقاء مكان الصدارة، طالما هو في جدة. ولقد كرم هذا الوجيه الثري في إحدى أمسياته الشيخ الزرقاء خير تكريم، وندوة الشيخ عثمان الصالح بالرياض. وقد خصصت إحدى الندوات لتكريم الأستاذ مصطفى الزرقاء، لا على اعتباره عالماً كبيراً من علماء المسلمين فقط، بل لكونه شاعراً مبدعاً، له ديوان شعري كامل.
كان عريف الحفل يومذاك الدكتور عبد القدوس أبو صـالح، فقد عرّف الحضور به أجمل تعريف!. وأنشد الأستاذ الزرقاء القصيدة تلو القصيدة عن ظهر قلب، وكأنه يقرأ من ديوان بين يديه، وسمى ديوانه (قوس قزح).
وكان الشيخ مصطفى الزرقا عضو شرف في رابطة الأدب الإسلامي العالمية 1414هـ، ونشرت له مجلة الأدب الإسلامي قصيدة بعنوان القرآن العظيم في عددها….، وله فنوى خطية بجواز دفع الزكاة لدعم مجلة الأدب الإسلامي، بحسبانه في مصرف (وفي سبيل الله).
من آثاره العلمية:
– أحكام الأوقاف.
– في الحديث النبوي.
– الاستصلاح والمصالح المرسلة في الفقه الإسلامي.
– الفعل الضار والضمان فيه.
– نظام التأمين، والرأي الشرعي فيه.
– الفقه الإسلامي ومدارسه (بتكليف من منظمة اليونسكو).
– رسالة بعنوان: عظمة محمد مجمع العظمات البشرية.
-عقد الاستصناع وأثره في نشاط البنوك الإسلامية.
– صياغة شرعية لنظرية التعسف في استعمال الحق.
– المدخل الفقهي العام (جزآن).
– مجموعة فتاوى الشيخ مصطفى الزرقا.
-توفي الشيخ مصطفى الزرقاء مساء السبت 19/3/1420هـ، الموافق 3/7/1999م. يرحمه الله، ويرحم العلماء العاملين، وجزاهم عن الإسلام والمسلمين بما يستحقون. إنه سميع مجيب. عرض أقل