الإمام الزاهد ، القدوة ، الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشيري ، الخراساني ، النيسابوري ، الشافعي ، الصوفي ، المفسر ، صاحب ” الرسالة ” . ولد سنة خمس وسبعين وثلاثمائة . وتعانى الفروسية والعمل بالسلاح حتى برع في ذلك ، ثم تعلم الكتابة والعربية ، وجود . ثم سمع الحديث من : أبي الحسين أحمد بن محمد الخفاف ; صاحب أبي العباس الثقفي ، ومن أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني ، وأبي الحسن العلوي ، وعبد الرحمن بن إبراهيم المزكي ، وعبد الله بن يوسف ، وأبي بكر بن ... عرض المزيد
الإمام الزاهد ، القدوة ، الأستاذ أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن بن عبد الملك بن طلحة القشيري ، الخراساني ، النيسابوري ، الشافعي ، الصوفي ، المفسر ، صاحب ” الرسالة ” .
ولد سنة خمس وسبعين وثلاثمائة .
وتعانى الفروسية والعمل بالسلاح حتى برع في ذلك ، ثم تعلم الكتابة والعربية ، وجود .
ثم سمع الحديث من : أبي الحسين أحمد بن محمد الخفاف ; صاحب أبي العباس الثقفي ، ومن أبي نعيم عبد الملك بن الحسن الإسفراييني ، وأبي الحسن العلوي ، وعبد الرحمن بن إبراهيم المزكي ، وعبد الله بن يوسف ، وأبي بكر بن فورك ، وأبي نعيم أحمد بن محمد ، وأبي بكر بن عبدوس ، والسلمي ، وابن باكويه ، وعدة .
وتفقه على أبي بكر محمد بن أبي بكر الطوسي ، والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني ، وابن فورك . وتقدم في الأصول والفروع ، وصحب العارف أبا علي الدقاق ، وتزوج بابنته ، وجاءه منها أولاد نجباء .
قال القاضي ابن خلكان : كان أبو القاسم علامة في الفقه والتفسير والحديث والأصول والأدب والشعر والكتابة . صنف ” التفسير الكبير ” وهو من أجود التفاسير ، وصنف ” الرسالة ” في رجال الطريقة ، وحج مع الإمام أبي محمد الجويني ، والحافظ أبي بكر البيهقي . وسمعوا ببغداد والحجاز .
قلت : سمعوا من هلال الحفار ، وأبي الحسين بن بشران ، وطبقتهما .
قال : وذكره أبو الحسن الباخرزي في كتاب ” دمية القصر ” وقال : لو قرع الصخر بسوط تحذيره لذاب ، ولو ربط إبليس في مجلسه لتاب .
قلت : حدث عنه أولاده عبد الله ، وعبد الواحد ، وأبو نصر عبد الرحيم ، وعبد المنعم ، وزاهر الشحامي ، وأخوه وجيه ، ومحمد بن الفضل الفراوي ، وعبد الوهاب بن شاه ، وعبد الجبار بن محمد الخواري ، وعبد الرحمن بن عبد الله البحيري ، وحفيده أبو الأسعد هبة الرحمن ، وآخرون .
ومات أبوه وهو طفل ، فدفع إلى الأديب أبي القاسم اليمني فقرأ عليه الآداب ، وكانت للقشيري ضيعة مثقلة بالخراج بأستوا فتعلم طرفا من الحساب ، وعمل قليلا ديوانا ، ثم دخل نيسابور من قريته ، فاتفق حضوره مجلس أبي علي الدقاق ، فوقع في شبكته ، وقصر أمله ، وطلب القبا ، فوجد العبا ، فأقبل عليه أبو علي ، وأشار عليه بطلب العلم ، فمضى إلى حلقة الطوسي ، وعلق ” التعليقة ” وبرع ، وانتقل إلى ابن فورك ، فتقدم في الكلام ، ولازم أيضا أبا إسحاق ، ونظر في تصانيف ابن الباقلاني ، ولما توفي حموه أبو علي تردد إلى السلمي ، وعاشره ، وكتب المنسوب ، وصار شيخ خراسان في التصوف ، ولزم المجاهدات ، وتخرج به المريدون .
وكان عديم النظير في السلوك والتذكير ، لطيف العبارة ، طيب الأخلاق ، غواصا على المعاني ، صنف كتاب ” نحو القلوب ” ، وكتاب ” لطائف الإشارات ” وكتاب ” الجواهر ” ، وكتاب ” أحكام السماع ” ، وكتاب ” عيون الأجوبة في فنون الأسولة ” ، وكتاب ” المناجاة ” ، وكتاب ” المنتهى في نكت أولي النهى ” .
قال أبو سعد السمعاني : لم ير الأستاذ أبو القاسم مثل نفسه في كماله وبراعته ، جمع بين الشريعة والحقيقة ، أصله من ناحية أستواءة ، وهو قشيري الأب ، سلمي الأم .
وقال أبو بكر الخطيب كتبنا عنه ، وكان ثقة ، وكان حسن الوعظ ، مليح الإشارة ، يعرف الأصول على مذهب الأشعري ، والفروع على مذهب الشافعي ، قال لي : ولدت في ربيع الأول سنة ست وسبعين وثلاثمائة .
أخبرنا أبو الفضل أحمد بن هبة الله بن تاج الأمناء في سنة ثلاث وتسعين ، عن أم المؤيد زينب بنت عبد الرحمن ، أخبرنا أبو الفتوح عبد الوهاب بن شاه الشاذياخي ، أخبرنا زين الإسلام أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن ، أخبرنا أبو نعيم عبد الملك ، أخبرنا أبو عوانة ، حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني يونس ، عن ابن شهاب ، حدثني سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : بينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها ، التفتت إليه ، وقالت : إني لم أخلق لهذا ، إنما خلقت للحرث . فقال الناس : سبحان الله ! فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر .
وبه إلى عبد الكريم : سمعت أبا عبد الرحمن السلمي ، سمعت الحسين بن يحيى ، سمعت جعفر بن محمد بن نصير ، سمعت الجنيد يقول : قال أبو سليمان الداراني : ربما تقع في قلبي النكتة من نكت القوم أياما ، فلا أقبل منه إلا شاهدين عدلين من الكتاب والسنة .
قال أبو الحسن الباخرزي ولأبي القاسم ” فضل النطق المستطاب ” ماهر في التكلم على مذهب أبي الحسن الأشعري ، خارج في إحاطته بالعلوم عن الحد البشري ، كلماته للمستفدين فرائد وعتبات منبره للعارفين وسائد ، وله نظم تتوج به رءوس معاليه إذا ختمت به أذناب أماليه .
قال عبد الغافر بن إسماعيل : ومن جملة أحوال أبي القاسم ما خص به من المحنة في الدين ، وظهور التعصب بين الفريقين في عشر سنة أربعين وأربعمائة إلى سنة خمس وخمسين ، وميل بعض الولاة إلى الأهواء ، وسعي بعض الرؤساء إليه بالتخليط ، حتى أدى ذلك إلى رفع المجالس وتفرق شمل الأصحاب ، وكان هو المقصود من بينهم حسدا ، حتى اضطر إلى مفارقة الوطن ، وامتد في أثناء ذلك إلى بغداد ، فورد على القائم بأمر الله ، ولقي قبولا ، وعقد له المجلس في مجالسه المختصة به ، وكان ذلك بمحضر ومرأى منه ، وخرج الأمر بإعزازه وإكرامه ، فعاد إلى نيسابور ، وكان يختلف منها إلى طوس بأهله ، حتى طلع صبح الدولة ألبآرسلانية فبقي عشر سنين محترما مطاعا معظما .
ومن نظمه :
سقى الله وقتا كنت أخلو بوجهكم وثغر الهوى في روضة الأنس ضاحك .. أقمت زمانا والعيون قريرة
وأصبحت يوما والجفون سوافك.
أنشدنا أبو الحسين الحافظ ، أخبرنا جعفر بن علي ، أخبرنا السلفي ، أخبرنا القاضي حسن بن نصر بنهاوند ، أنشدنا أبو القاسم القشيري لنفسه :
البدر من وجهك مخلوق .. والسحر من طرفك مسروق.
يا سيدا تيمني حبه .. عبدك من صدك مرزوق.
ولأبي القاسم أربعون حديثا من تخريجه سمعناها عالية .
قال عبد الغافر : توفي الأستاذ أبو القاسم صبيحة يوم الأحد السادس والعشرين من ربيع الآخر ، سنة خمس وستين وأربعمائة .
قلت : عاش تسعين سنة .
وقال المؤيد في ” تاريخه ” أهدي للشيخ أبي القاسم فرس ، فركبه نحوا من عشرين سنة ، فلما مات الشيخ لم يأكل الفرس شيئا ، ومات بعد أسبوع .
المصدر: كتاب سير أعلام النبلاء للذهبي. عرض أقل