بيَّن الإمام “البخاري” سبب تصنيف صحيحه هذا فقال: كنا عند إسحاق بن راهويه فقال: لو جمعتم كتابًا مختصرًا لصحيح سنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال: فوقع ذلك في قلبي فأخذت في جمع الجامع الصحيح. وهذا يدل على همة هذا الإمام حيث أخذت هذه الكلمة منه مأخذها، وبعثته للعمل على تأليف كتابه، وسماه كما ذكر ابن الصلاح والنووي: “الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه سلم وسننه وأيامه”. ولما أخرجه للناس وأخذ يحدث به، طار في الآفاق أمره، فهرع إليه الناس من كل فج يتلقونه عنه حتى بلغ من أخذه نحو من مائة ألف، وانتشرت نسخه في الأمصار، وعكف الناس عليه حفظًا ودراسة وشرحًا وتلخيصًا، وكان فرح أهل العلم به عظيمًا. قصد البخاري في صحيحة إلى إبراز فقه الحديث الصحيح واستنباط الفوائد منه، وجعل الفوائد المستنبطة تراجم للكتاب -أي عناوين له- ولذلك فإنه يذكر متن الحديث بغير إسناد وقد يحذف من أول الإسناد واحد فأكثر، وهذان النوعان يعرفان بالتعليق، وقد يكرر الحديث في مواضع كثيرة من كتابه يشير في كل منها إلى فائدة تستنبط من الحديث، والسبب في ذلك أن الحديث الواحد قد يكون فيه من العلم والفقه ما يوجب وضعه في أكثر من باب، ولكنه غالبًا ما يذكر في كل باب الحديث بإسناد غير إسناده في الأبواب السابقة أو اللاحقة، وقد يختلف سياق الحديث من رواية لأخرى، وذكر في تراجم الأبواب علمًا كثيرًا من الآيات والأحاديث وفتاوى الصحابة والتابعين، ليبين بها فقه الباب والاستدلال له، حتى اشتهر بين العلماء أن فقه البخاري في تراجمه. وقد بلغت أحاديث البخاري بالمكرر سوى المعلقات والمتابعات (7593) حديثًا حسب ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي لأحاديث البخاري، ويرى الحافظ ابن حجر العسقلاني أن عدد أحاديث البخاري (7397) حديثًا ، وفي البخاري أحاديث معلقة وجملتها (1341)، وعدد أحاديث البخاري المتصلة من غيرالمكررات قرابة أربعة آلاف.
اضغط على إحدى أسماء أدوار النشر التالية لعرض روابط القراءة والتحميل الخاصة بها: